في عصر يُعيد فيه التحول الرقمي تشكيل جميع جوانب الحياة، تظل التكنولوجيا الشاملة واحدة من أهم مجالات الابتكار. مشروع رائد من كلية الحاسوب وتقنية المعلومات بجامعة صحار يعد خطوة مهمة نحو إحداث ثورة في طريقة تواصل الأفراد ذوي الإعاقة السمعية، بما يعزز اندماجهم في المجتمع وسوق العمل.
يحمل المشروع عنوان ” كسر الحواجز: تمكين التواصل للأفراد ذوي الإعاقة السمعية في سلطنة عمان “، ويهدف إلى معالجة تحدٍّ طال أمده يتمثل في سد الفجوة التواصلية بين الأفراد الصم والأشخاص السامعين. وعلى الرغم من التقدم الملموس الذي حققته سلطنة عمان في دعم ذوي الإعاقة، لا يزال الكثيرون يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص التعليمية والوظيفية بسبب الحواجز اللغوية.
قام فريق المشروع بتطوير منصة تواصل إلكترونية سهلة الاستخدام تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوفير تواصل مباشر وفوري. وعلى عكس الطرق التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على المترجمين البشريين أو الموارد المحدودة، يوفر هذا النظام جسراً رقمياً بين مستخدمي لغة الإشارة والأشخاص الذين يتواصلون شفوياً. ويقدم النظام أدوات ترجمة آنية تشمل التعرف على لغة الإشارة وتحويل الكلام إلى نص والنص إلى كلام، ما يجعله أداة مرنة يمكن استخدامها في أماكن العمل، والمدارس، والمراكز الصحية، وفي الحياة اليومية.
ولا يمكن التقليل من أهمية هذا الابتكار؛ إذ إن التواصل يُعد حقًاً إنسانياً أساسياً وعنصراً محورياً للاندماج والاستقلالية. فبالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، يُعد التواصل الفعال ضرورياً ليس فقط للتفاعل الشخصي، بل أيضاً للتطور المهني والمشاركة الكاملة في المجتمع. تم تصميم هذه المنصة لتقليل مشاعر العزلة وفتح آفاق جديدة من الفرص من خلال جعل التواصل أكثر سهولة ومساواة.
ويتميز المشروع ببنية تقنية قوية، حيث يجمع بين تقنيات الويب مثل HTML وCSS وJavaScript وأدوات متقدمة مثل MediaPipe Hands من Google للتعرف على لغة الإشارة، وWeb Speech API لتحويل الكلام إلى نص والعكس. يمكن للمستخدمين التبديل بسهولة بين أوضاع ” وضع الصم “، و” وضع السامعين “، لتخصيص تجربة الاستخدام بما يتناسب مع احتياجاتهم. والأهم من ذلك، أن هذا الحل مصمم ليعمل على الأجهزة العادية دون الحاجة إلى أجهزة خاصة، ما يجعله متاحاً للجميع وقابلاً للتوسع.
وفي مرحلته الحالية، يستخدم المشروع مجموعة بيانات صغيرة مصممة خصيصاً لاختبار النظام وتقديم حالات استخدام عملية. وبينما أثبتت هذه المرحلة فعاليتها في التجارب الأولية، يستعد الفريق في المرحلة القادمة لاعتماد مجموعة بيانات شاملة تهدف إلى تحسين الدقة وتوسيع نطاق إشارات لغة الإشارة وأنماط الكلام، ما يسمح للنظام بخدمة قاعدة مستخدمين أوسع بدقة وكفاءة أعلى.
كما يتماشى المشروع مع رؤية عمان 2040 التي تؤكد على الشمولية وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة كأولوية وطنية. ومن خلال تقديم حل عملي وقابل للتوسع، يساهم المشروع بشكل مباشر في بناء مجتمع أكثر شمولية، بحيث يتمكن الأفراد ذوو الإعاقة السمعية من المشاركة الكاملة في جميع جوانب الحياة.
وتؤكد جامعة صحار التزامها الراسخ بدعم تقدم سلطنة عمان من خلال تزويد طلابها بأحدث المعارف والمهارات العملية. ومن خلال مبادرات كهذه، تسعى الجامعة ليس فقط إلى تعزيز الابتكار بل أيضاً إلى تقوية روابطها مع المجتمع المحلي ودعم جهود السلطنة لتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية عمان 2040.
وعلى الرغم من أنه لا يزال في مراحله الأولى، فقد أظهر النظام نتائج واعدة في الاختبارات، حيث تمكن من التعرف بدقة عالية على إشارات لغة الإشارة والكلمات المنطوقة. ويتطلع الفريق إلى تحسينات مستمرة، تشمل توسيع قاعدة بيانات الإشارات، وتحسين خوارزميات التعرف، وإضافة لغات جديدة لتلبية احتياجات متنوعة.
في عالم بات مدفوعاً بالتكنولوجيا، تبقى مسؤولية عدم ترك أي فرد خلف الركب مسؤولية جماعية. ويُعد هذا المشروع دليلاً حياً على قوة الابتكار عندما يُقترن بالتعاطف والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.
English
